دخل المحاسب الجديد الى مؤسسة "الخبيصة " التي التهم فيها الشريك الأكبر حصته وحصة شركاءه كلهم في غفلة منهم " فوجد منظومة حسابية غريبة وعجيبة احتاج الى عدة أسابيع لكي يستوعب اسرارها، أصيب بالصداع والدوار، تناول عددا مضاعفا من اكواب القهوة كي يتفهم أساليب مؤسسة الخبيصة التي تقوم على الابداع المحاسبي التآمري الخبيث لتضليل المساهمين، ضمن اطر المعايير والمبادئ المحاسبية المتعارف عليها ، وتحت بصر شركة التدقيق ذات الخمس نجوم ، لكن هل هو ابداعي بحق؟ تعالوا نشرح
المحاسبة الإبداعية ان هي الا محاسبة احتيالية كاذبة او تجميلية معروفة جدا ولا تخفى على اللبيب وهي تستخدم المبادئ والقوانين المحاسبية المتعارف عليها في غير موضعها بهدف اظهار المؤسسة المعنية في حال افضل او أسوأ من حقيقتها الاصلية ، وتعتمد الوسائل اللاأخلاقية والفساد الإداري البعيد عن النزاهة والشفافية والحياد ، وهدفها تحقيق نتائج نافعة للشركة او بعض العاملين فيها ، ويرى المراقبون ان هذه الأساليب الملتوية هي السبب في انهيار الشركات العملاقة مثل شركة انرون وغيرها في السنوات الماضية ، ومن المرجح في حال استمرارها وتطور وسائلها التدميرية ان تودي بالعديد من المؤسسات والشركات في المستقبل خصوصا في العالم الثالث الاكثر بعدا عن مبادئ الرقابة والمحاسبة ، ان لم يجر الانتباه لها وتوعية الناس بمخاطرها وفضح اساليبها ومقاضاة القائمين عليها وتبيان ضررها الشامل على الاقتصاد الوطني
وقد عرفت الظاهرة منذ الثمانينات وحسب المراقبين فان تضارب المصالح بين الأطراف المختلفة ذات العلاقة بالشركة يعد المصدر الرئيس لبروز الظاهرة ،فاذا اقتضت مصلحة المدراء التنفيذين على سبيل المثال تقليل الأرباح الموزعة او التهرب من الضرائب استعانوا بالمحاسبة الإبداعية واظهروا النتائج التي يريدون ، عادي ، كل ما في الامر ، توظيف محاسبين على درجة عالية من الفهلوة والضمير الغائب وشرح أصول اللعبة والأرقام التي يراد اظهارها او اخفاءها، وما على المحاسب الا تشغيل امكانياته المحاسبية الإبداعية واللعب من هنا وهناك لتحقيق النتيجة المطلوبة عبر توظيف ثغرات موجودة في أساليب التدقيق الخارجي ، وهكذا يتم اللجوء الى احد امرين :
اما: تضخيم مصروفات المؤسسة وديونها وتقليل أرباحها للتهرب من الضرائب لحرمان المساهمين من حقوقهم ومستحقاتهم.
او: تضخيم الأرباح وزيادة سعر سهم الشركة للحصول على قروض او جذب مستثمرين او ترغيب اخرين في شراءها.
لكن كل ذلك الابداع المحاسبي يجري بذكاء محسوب ودقيق واحترافي وعلى ايدي خبراء محترفين كي لا يزيد الطحين على الماء فتفسد الخبيصة بالكامل ويتعذر إيجاد تبريرات مقنعة لمواجهة المسائلات المحاسبية واحكام القضاء
الا ان بعض مؤسسات الخبيص في بلدنا ابتدعت أسلوبا ثالثا وفريدا لم تعرفه المحاسبة الابداعية قبلا ،ويستحق الدراسة والبحث كأحد أوجه الفساد المبتكرة ، وهو الادعاء بخسارة المؤسسة وانعدام ربحيتها بالمطلق عبر قطع شريانها الأساسي ومورد دخلها الأصلي وترتيب صيغة محاسبية جهنمية تجعلها في حالة خسارة دائمة ، كيف تصمد مؤسسة تجارية وتدعي النجاح وهي خاسرة منذ يوم مولدها ؟ الواقع انها مؤسسة ناجحة في الباطن فاشلة ومديونة ومخبوصة خبصا عشوائيا وملعوب في حساباتها في الظاهر فقط ، بيد ان كل ذلك جرى بطريقة غبية وفجة وشديدة الوضوح ومن المستحيل ان تصمد امام أي تحقيق محاسبي او قضائي.